فصل: التّعريف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


تذكية

التّعريف‏:‏

1 - التّذكية في اللّغة‏:‏ مصدر ذكّى، والاسم ‏(‏الذّكاة‏)‏ ومعناها‏:‏ إتمام الشّيء والذّبح‏.‏ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ذكاة الجنين ذكاة أمّه»‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ هي السّبب الموصّل لحلّ أكل الحيوان البرّيّ اختياراً‏.‏

هذا تعريف الجمهور، ويعرف عند الحنفيّة‏:‏ بأنّه السّبيل الشّرعيّة لبقاء طهارة الحيوان، وحلّ أكله إن كان مأكولاً، وحلّ الانتفاع بجلده وشعره إن كان غير مأكول‏.‏

أنواع التّذكية

التّذكية لفظ عامّ، يشمل‏:‏ الذّبح، والنّحر، والعقر، والصّيد، ولكلّ موطنه على النّحو التّالي‏:‏

أ - الذّبح‏:‏

2 - الذّبح لغةً‏:‏ الشّقّ‏.‏ وعند الفقهاء‏:‏ قطع الحلقوم من باطن عن المفصل بين العنق والرّأس‏.‏ ويستعمل في ذكاة الاختيار، فهو أخصّ من التّذكية، حيث إنّها تشمل ذكاة الاختيار والاضطرار‏.‏

ب - النّحر‏:‏

3 - نحر البعير‏:‏ طعنه في منحره حيث يبدأ الحلقوم من أعلى الصّدر، قال في المغني‏:‏ معنى النّحر أن يضرب البعير بالحربة أو نحوها في الوهدة الّتي بين أصل عنقها وصدرها‏.‏ فهو قطع العروق في أسفل العنق عند الصّدر، وبهذا يفترق عن الذّبح، لأنّ القطع في أعلى العنق‏.‏ والنّحر نوع آخر من أنواع التّذكية الاختياريّة‏.‏

ج - العقر‏:‏

4 - العقر‏:‏ هو الجرح‏.‏

ويستعمله الفقهاء في‏:‏ تذكية حيوان غير مقدورعليه بالطّعن في أيّ موضع وقع من البدن‏.‏ وبهذا يختلف عن الذّبح والنّحر، لأنّهما تذكية اختياراً، والعقر تذكية ضرورةً‏.‏

د - الصّيد‏:‏

5 - الصّيد‏:‏ هو إزهاق روح الحيوان البرّيّ المتوحّش، بإرسال نحو سهم أو كلب أو صقر‏.‏

الحكم الإجماليّ

6 - التّذكية سبب لإباحة أكل لحم الحيوان غير المحرّم والّذي من شأنه الذّبح، سواء أكانت بالذّبح أم النّحر أم العقر‏.‏ أمّا ما ليس من شأنه الذّبح كالسّمك والجراد فيحلّان بلا ذكاة‏.‏ ويشترط في المذكّي عند الفقهاء‏:‏ أن يكون مسلماً أو كتابيّاً، كما يشترط عند الجمهور‏:‏ -الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، وهو رواية عند الشّافعيّة -‏:‏ أن يكون المذكّي مميّزاً، ليعقل التّسمية والذّبح‏.‏ وفي الأظهر عند الشّافعيّة‏:‏ لا يشترط التّمييز‏.‏

7- وجمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - على أنّه تشترط التّسمية وقت التّذكية إلاّ إذا نسيها‏.‏ وقال الشّافعيّة باستحباب التّسمية وقت التّذكية‏.‏

ويحلّ الذّبح بكلّ محدّد يجرح، كحديد ونحاس وذهب وخشب وحجر وزجاج، ولا يجوز بالسّنّ والظّفر القائمين اتّفاقاً‏.‏

أمّا إذا كانا منفصلين ففيه خلاف، وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏ذبائح‏)‏‏.‏

مواطن البحث

8 - ذكر الفقهاء أحكام التّذكية في أبواب الصّيد والذّبائح والأضحيّة، وذكر المالكيّة أحكامها في باب الذّكاة‏.‏

تراب

التّعريف

1 - التّراب‏:‏ ما نعم من أديم الأرض‏.‏ بهذا عرّفه المعجم الوسيط، وهو اسم جنس، وقال المبرّد‏:‏ هو جمع واحده ترابة، وجمعه أتربة وتربان، وتربة الأرض‏:‏ ظاهرها‏.‏

وأتربت الشّيء‏:‏ وضعت عليه التّراب، وترّبته تتريباً فتترّب‏:‏ أي تلطّخ بالتّراب‏.‏ ويقال‏:‏ تَرِب الرّجل‏:‏ إذا افتقر، كأنّه لصق بالتّراب، وفي الحديث‏:‏ «فاظْفَرْ بذاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَداك» وليس المراد به الدّعاء، بل الحثّ والتّحريض‏.‏ ويقال‏:‏ أترب الرّجل‏:‏ أي استغنى، كأنّه صار له من المال بقدر التّراب‏.‏

وفي المصطلحات العلميّة والفنّيّة‏:‏ أنّه جزء الأرض السّطحيّ المتجانس التّركيب، أو الّذي تتناوله آلات الحراثة‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏ ويفهم من كلام الفقهاء في باب التّيمّم أنّ الرّمل ونحاتة الصّخر ليسا من التّراب، وإن أعطيا حكمه في بعض المذاهب‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الصّعيد‏:‏

2 - الصّعيد‏:‏ وجه الأرض تراباً كان أو غيره، قال الزّجّاج‏:‏ ولا أعلم اختلافاً بين أهل اللّغة في ذلك‏.‏ وعلى هذا يكون الصّعيد أعمّ من التّراب‏.‏

الحكم التّكليفي

أ - في التّيمّم‏:‏

3 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّيمّم يصحّ بكلّ تراب طاهر فيه غبار يعلق باليد، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّبَاً فَامْسَحُوا بِوجُوهِكم وأَيدِيْكم منه‏}‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏

«أُعطيتُ خَمْسَاً لم يُعْطَهنّ أحدٌ قبلي‏:‏ كان كلّ نبيّ يُبعث إلى قومه خاصّةً، وبُعثتُ إلى كلّ أحمرَ وأسودَ، وأُحلَّتْ لي الغنائمُ ولم تَحِلَّ لأحد قَبْلي، وجُعلتْ لي الأرضُ طيّبةً طهوراً ومسجداً، فأيّما رجلٍ أدركته الصّلاة صلّى حيث كان، ونُصرتُ بالرُّعْب بين يديّ مسيرة شهر، وأعطيتُ الشّفاعةَ»‏.‏ واختلفوا في صحّة التّيمّم بما عدا التّراب، كالنّورة والحجارة والرّمل والحصى والطّين الرّطب والحائط المجصّص، وغير ذلك ممّا هو من جنس الأرض‏:‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى صحّة التّيمّم بهذه الأشياء المذكورة‏.‏ ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ التّيمّم لا يصحّ إلاّ بالتّراب الطّاهر ذي الغبار العالق‏.‏ وكذا يصحّ برمل فيه غبار عند الشّافعيّة، وفي قول القاضي من الحنابلة‏.‏ والتّفاصيل يرجع إليها في مصطلح ‏(‏تيمّم‏)‏‏.‏

ب - في إزالة النّجاسة‏:‏

4 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ ما نجس بملاقاة شيء، من كلب أو خنزير أو ما تولّد منهما أو من أحدهما، يغسل سبع مرّات‏:‏ إحداهنّ بالتّراب‏.‏ سواء كان ذلك لعابه أو بوله أو سائر رطوباته أو أجزاءه الجافّة إذا لاقت رطباً، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏

«طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرّات، أولاهنّ بالتّراب» وفي رواية‏:‏ «أُخراهنّ بالتّراب» وفي أخرى ‏{‏وعفّروه الثّامنةَ بالتّراب‏}‏ وألحق الخنزير بالكلب لأنّه أسوأ حالاً‏.‏ ولهذا قال اللّه تعالى في حقّه‏:‏ ‏{‏أو لحمَ خنزيرٍ فإنَّه رِجْسٌ‏}‏‏.‏

وروي عن الإمام أحمد روايةً أخرى بوجوب غسل نجاسة الكلب والخنزير ثماني مرّات إحداهنّ بالتّراب، وإلى هذا ذهب الحسن البصريّ، لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات الحديث‏:‏ «وعفّروه الثّامنةَ بالتّراب» ويشترط أن يعمّ التّراب المحلّ، وأن يكون طاهراً، وأن يكون قدراً يكدّر الماء، ويكتفي بوجود التّراب في واحدة من الغسلات السّبع، ولكن يستحبّ أن يكون في غير الأخيرة، وجعله في الأولى أولى‏.‏

والأظهر تعيّن التّراب جمعاً بين نوعي الطّهور‏.‏ فلا يكفي غيره، كأشنان وصابون‏.‏

ومقابله أنّه لا يتعيّن التّراب‏.‏ ويقوم ما ذكر ونحوه مقامه‏.‏

وهناك رأي ثالث‏:‏ بأنّه يقوم مقام التّراب عند فقده للضّرورة، ولا يقوم عند وجوده‏.‏

وفي قول رابع‏:‏ أنّه يقوم مقامه فيما يفسده التّراب، كالثّياب دون ما لا يفسده‏.‏

ويرى بعض الشّافعيّة‏:‏ أنّ الخنزير ليس كالكلب، بل يكفي لإزالة نجاسته غسلة واحدة من دون تراب، كغيره من النّجاسات الأخرى، لأنّ الوارد في التّتريب إنّما هو في الكلب فقط‏.‏ أمّا الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ فيرون الاكتفاء بغسل ما ولغ الكلب فيه من الأواني من غير تتريب، وحجّتهم في ذلك أنّ روايات التّتريب في الحديث مضطربة حيث وردت بلفظ‏:‏ «إحداهنّ»، في رواية، وفي أخرى بلفظ‏:‏ «أولاهنّ»، وفي ثالثة بلفظ‏:‏ «أخراهنّ»، وفي رابعة‏:‏

«السّابعة بالتّراب»، وفي خامسة «وعفّروه الثّامنة بالتّراب»، والاضطراب قادح فيجب طرحها‏.‏ ثمّ إنّ ذكر التّراب لم يثبت في كلّ الرّوايات‏.‏

والتّفاصيل يرجع إليها في مصطلح‏:‏ ‏(‏نجاسة، وطهارة، وصيد، وكلب‏)‏‏.‏

5- ويرى جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة، وهو رواية عن الإمام أحمد أنّ الخفّ والنّعل إذا أصابتهما نجاسة لها جرم كالرّوث فمسحهما بالتّراب يطهّرهما‏.‏

واستدلّوا لذلك بما رواه أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه‏:‏ ‏{‏أنّه صلى الله عليه وسلم صلّى يوماً، فخلع نعليه في الصّلاة، فخلع القوم نعالهم، فلمّا فرغ سألهم عن ذلك، فقالوا‏:‏ رأيناك خلعت نعليك، فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ أتاني جبريل عليه السلام وأخبرني أنّ بهما أذًى فخلعتهما، ثمّ قال‏:‏ إذا أتى أحدكم المسجد فليقلّب نعليه، فإن كان بهما أذًى فليمسحهما بالأرض، فإنّ الأرض لهما طهور‏}‏‏.‏

وأمّا ما لا جرم له من النّجاسة كالبول ففيه تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏نجاسة‏)‏،‏(‏وقضاء الحاجة‏)‏‏.‏ أمّا الشّافعيّة، وهو الرّاجح عند الحنابلة، فيرون أنّ التّراب لا يطهّر الخفّ أو النّعل، وأنّه يجب غسلهما إذا أريد تطهيرهما‏.‏

ج - في الصّوم‏:‏

6 - اتّفق الفقهاء على أنّ أكل التّراب والحصاة ونحوهما عمداً يبطل الصّوم، وكذلك إذا وصل إلى الجوف عن طريق الأنف أو الأذن أو نحوهما عمداً، لأنّ الصّوم هو الإمساك عن كلّ ما يصل إلى الجوف، وفي وجوب الكفّارة في هذه الحالة عند الحنفيّة والمالكيّة خلاف وتفصيل ينظر في مبحث ‏(‏كفّارة‏)‏‏.‏

أمّا الغبار الّذي يصل إلى الجوف عن طريق الأنف أو نحوه بصورة غير مقصودة فلا يفطر باتّفاق العلماء لمشقّة الاحتراز عنه‏.‏ ويرى بعض الشّافعيّة‏:‏ أنّ الصّائم لو فتح فاه عمداً حتّى دخل التّراب جوفه لم يفطر لأنّه معفوّ عن جنسه‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

د - في البيع‏:‏

7 - يرى جمهور الفقهاء من المالكيّة والحنابلة وهو الأظهر عند الشّافعيّة - أنّ بيع التّراب ممّن حازه جائز لظهور المنفعة فيه‏.‏

ويرى الحنفيّة، وهو مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه لا يجوز بيع التّراب لأنّه ليس بمال ولا مرغوب فيه، ولأنّه يمكن تحصيل مثله بلا تعب ولا مؤنة‏.‏ لكنّ الحنفيّة قيّدوه بأن لا يعرض له ما يصير به مالاً معتبراً كالنّقل والخلط بغيره‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع‏)‏‏.‏

هـ - في الأكل‏:‏

8 - ذهب الشّافعيّة إلى حرمة أكل التّراب لمن يضرّه، وإلى هذا ذهب المالكيّة في الرّاجح عندهم‏.‏

ويرى الحنفيّة والحنابلة وبعض المالكيّة كراهة أكله‏.‏ والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أطعمة‏)‏‏.‏

تراب الصّاغة

التّعريف‏:‏

1 - تراب الصّاغة‏:‏ مركّب إضافيّ يتكوّن من كلمتين، وهما، تراب‏:‏ والصّاغة‏.‏ أمّا التّراب‏:‏ فهو اسم جنس، ويجمع على أتربة وتربان، وتربة الأرض ظاهرها‏.‏

وأمّا الصّاغة‏:‏ فهي جمع صائغ، وهو الّذي حرفته الصّياغة، وهي جعل الذّهب حليّاً‏.‏

يقال‏:‏ صاغ الذّهب‏:‏ إذا جعله حليّاً، وصاغ اللّه فلاناً صيغةً حسنةً‏:‏ خلقه‏.‏

وصاغ الشّيء‏:‏ هيّأه على مثال مستقيم‏.‏

وتراب الصّاغة - كما عرفه المالكيّة - هو الرّماد الّذي يوجد في حوانيتهم ولا يدرى ما فيه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّبر‏:‏

2 - من معاني التّبر في اللّغة‏:‏ ما كان من الذّهب غير مضروب، فإذا ضرب دنانير فهو عين‏.‏ ولا يقال تبر إلاّ للذّهب، وبعضهم يقوله للفضّة أيضاً، وقد يطلق التّبر على غير الذّهب والفضّة من المعدنيّات‏.‏

وفي اصطلاح الفقهاء، عرّفه المالكيّة بأنّه‏:‏ الذّهب غير المضروب‏.‏

وعرّفه الشّافعيّة بأنّه‏:‏ اسم للذّهب والفضّة قبل ضربهما، أو للذّهب فقط، والمراد الأعمّ‏.‏

ب - تراب المعادن‏:‏

3 - أمّا التّراب فقد سبق بيان معناه، وأمّا المعادن فهي‏:‏ جمع معدن بكسر الدّال، والمعدن - كما قال اللّيث‏:‏ مكان كلّ شيء يكون فيه أصله ومبدؤه كمعدن الذّهب والفضّة‏.‏

وأمّا عند الفقهاء، فهو كما عرّفه الزّيلعيّ‏:‏ اسم لما يكون في الأرض خلقةً، بخلاف الرّكاز والكنز، إذ الكنز اسم لمدفون العباد، والرّكاز اسم لما يكون في الأرض خلقةً، أو بدفن العباد‏.‏ وقال الرّمليّ الشّافعيّ‏:‏ إنّ المعدن له إطلاقان‏:‏ أحدهما على المستخرج، والآخر على المخرج منه‏.‏ هذا، والفرق بين تراب المعدن وتراب الصّاغة - كما يفهم من كلام المالكيّة - أنّ تراب المعدن‏:‏ هو ما يتساقط من جوهر المعدن نفسه، دون اختلاط بجوهر آخر‏.‏ أمّا تراب الصّاغة فهو المتساقط من المعدن مختلطاً بالتّراب أو الرّمل أو نحوهما‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - تراب الصّاغة‏:‏ إمّا أن يكون ما فيه من الذّهب أو الفضّة مجهولاً أو معلوماً، وإمّا أن يكون من جنس واحد أو أكثر من جنس، وإمّا أن يصفّى ويميّز ما فيه من الذّهب أو الفضّة أو لا‏.‏ قال الحنفيّة‏:‏ إن اشترى تراب الفضّة بفضّة لا يجوز، لأنّه إن لم يظهر في التّراب شيء فظاهر، وإن ظهر فهو بيع الفضّة بالفضّة مجازفةً، ولهذا لو اشتراه بتراب فضّة لا يجوز، لأنّ البدلين هما الفضّة لا التّراب‏.‏ ولو اشتراه بتراب ذهب أو بذهب جاز، لعدم لزوم العلم بالمماثلة، لاختلاف الجنس، فلو ظهر أن لا شيء في التّراب لا يجوز‏.‏

وكلّ ما جاز فمشتري التّراب بالخيار إذا رأى، لأنّه اشترى ما لم يره‏.‏

وهو أيضاً قول الحنابلة في تراب الصّاغة، إذ لا يجوز عندهم بيعه بشيء من جنسه، لأنّه مال رباً بيع بجنسه على وجه لا تعلم فيه المماثلة‏.‏

ولا يجوز عند المالكيّة بيع تراب الصّاغة لشدّة الغرر فيه، وإن وقع فسخ‏.‏

وأمّا الشّافعيّة فلا يجوز عندهم بيع تراب الصّاغة قبل تصفيته وتمييز الذّهب أو الفضّة منه، سواء أباعه بذهب أم بفضّة أم بغيرهما، لأنّ المقصود مجهول أو مستور بما لا مصلحة له فيه في العادة، فلم يصحّ بيعه فيه كبيع اللّحم في الجلد بعد الذّبح وقبل السّلخ‏.‏

تراب المعادن

التّعريف

1 - تراب المعادن‏:‏ مركّب إضافيّ، أمّا التّراب‏:‏ فهو ظاهر الأرض، وهو اسم جنس‏.‏ وأمّا المعادن‏:‏ فهي جمع معدن - بكسر الدّال - وهو كما قال اللّيث‏:‏ مكان كلّ شيء يكون فيه أصله ومبدؤه كمعدن الذّهب والفضّة‏.‏

وأمّا عند الفقهاء فهو، كما عرّفه الزّيلعيّ وابن عابدين‏:‏ اسم لما يكون في الأرض خلقةً‏.‏ وقال الرّمليّ الشّافعيّ‏:‏ إنّ المعدن له إطلاقان‏:‏ أحدهما على المستخرج، والآخر على المخرج منه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - تراب الصّاغة‏:‏

2 - وهو - كما عرّفه المالكيّة - الرّماد الّذي يوجد في حوانيت الصّاغة،ولا يدرى ما فيه‏.‏ والفرق بين تراب الصّاغة وتراب المعدن، هو أنّ تراب الصّاغة هو المتساقط من المعدن مختلطاً بتراب أو رمل أو نحوهما، أمّا تراب المعدن فهو ما يتساقط من جوهر المعدن نفسه دون أن يختلط بجوهر آخر‏.‏

ب - الكنز‏:‏

3 - هو في الأصل مصدر كنز، ومعناه في اللّغة‏:‏ جمع المال وادّخاره، وجمع التّمر في وعائه، والكنز أيضاً‏:‏ المال المدفون تسميةً بالمصدر، والجمع كنوز كفلس وفلوس‏.‏

وأمّا عند الفقهاء فهو‏:‏ اسم لمدفون العباد‏.‏

ج - الرِّكاز‏:‏

4 - الرّكاز معناه في اللّغة‏:‏ المال المدفون في الجاهليّة، وهو على وزن فعال، بمعنى مفعول كالبساط بمعنى المبسوط، ويقال هو المعدن‏.‏

وأمّا عند الفقهاء فهو‏:‏ اسم لما يكون تحت الأرض خلقةً أو بدفن العباد‏.‏ فالرّكاز بهذا المعنى أعمّ من المعدن والكنز، فكان حقيقةً فيهما مشتركاً معنويّاً، وليس خاصّاً بالدّفين‏.‏ وقيّده الشّافعيّة بكونه دفين الجاهليّة‏.‏

أنواع المعادن

5 - للمعادن أنواع ثلاثة‏:‏

- أ - جامد يذوب وينطبع، كالذّهب والفضّة والحديد والرّصاص والصّفر‏.‏

- ب - جامد لا يذوب، كالجصّ والنّورة، والكحل والزّرنيخ‏.‏

- ج - مائع لا يتجمّد، كالماء والقير والنّفط‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

ذكر الفقهاء الأحكام الخاصّة بتراب المعادن في مواطن نجملها فيما يلي‏:‏

أ - تغيّر الماء بتراب المعادن‏:‏

6 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ تغيّر الماء المطلق بتراب المعدن لا يضرّ، ويجوز التّطهّر به، لأنّه تغيّر بما هو من أجزاء الأرض‏.‏ وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى‏:‏ أنّ الماء المتغيّر بما لا يمكن صونه عنه من تراب المعادن، بأن يكون في مقرّه أو ممرّه لا يمنع التّطهّر به، ولا يكره استعماله فيه‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏مياه‏)‏‏.‏

ب - حكم التّيمّم بتراب المعادن‏:‏

7 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى‏:‏ أنّه لا يصحّ التّيمّم إلاّ بتراب طاهر، أو برمل فيه غبار يعلق باليد، وأمّا ما لا غبار له كالصّخر وسائر المعادن فلا يصحّ التّيمّم بها، لأنّها ليست في معنى التّراب‏.‏ ويجوز عند أبي حنيفة التّيمّم بكلّ ما لا ينطبع ولا يلين من المعادن، كالجصّ والنّورة والكحل والزّرنيخ، سواء التصق على يده شيء منها أو لم يلتصق‏.‏

وأمّا المعادن الّتي تلين وتنطبع، كالحديد والنّحاس والذّهب والفضّة، فلا يجوز التّيمّم بها إلاّ في محالّها، بشرط أن يغلب عليها التّراب، لأنّ التّيمّم حينئذ يكون بالتّراب لا بها، ولأنّها ليست من جنس الأرض‏.‏

وأمّا عند أبي يوسف‏:‏ فلا يجوز التّيمّم إلاّ بالتّراب والرّمل في رواية، أو بالتّراب فقط في رواية أخرى‏.‏ ويجوز عند المالكيّة التّيمّم بالمعادن المنطبعة وغير المنطبعة ما لم تنقل من محالّها، لأنّها من أجزاء الأرض باستثناء معدن النّقدين، وهما‏:‏ تبر الذّهب ونقار الفضّة‏.‏ والجواهر النّفيسة كالياقوت واللّؤلؤ والزّمرّد والمرجان ممّا لا يقع به التّواضع للّه‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تيمّم‏)‏‏.‏

ج - زكاة تراب المعادن‏:‏

8 - اتّفق الفقهاء على أنّ الزّكاة تجب في معدني‏:‏ الذّهب والفضّة‏.‏ أمّا غيرهما من المعادن، ففي وجوب الزّكاة فيه ووقت وجوبها، تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

د - بيع بعضه ببعض‏:‏

9 - تراب المعادن‏:‏ إمّا أن يكون من صنف واحد، وإمّا أن يكون من أصناف متعدّدة، وإمّا أن يصفّى ويميّز ما فيه أو لا‏.‏ فإن كان من صنف واحد، فلا يجوز بيع بعضه ببعض، كتراب ذهب بتراب ذهب عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة للجهل بالمماثلة‏.‏

وإن كان من أصناف كتراب ذهب بتراب فضّة، فإنّه يجوز بيعه عند الحنفيّة والمالكيّة لخفّة الغرر فيه، ولعدم لزوم العلم بالمماثلة، ويكره بيعه عند الحنابلة لأنّه مجهول‏.‏

وأمّا الشّافعيّة‏:‏ فلا يجوز عندهم بيع تراب المعدن قبل تصفيته وتمييز الذّهب والفضّة منه، سواء أباعه بذهب أم بفضّة أم بغيرهما، لأنّ المقصود النّقد وهو مجهول أو مستور بما لا مصلحة له فيه في العادة، فلم يصحّ بيعه فيه، كبيع اللّحم في الجلد بعد الذّبح وقبل السّلخ‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏بيع‏)‏ ‏(‏ورباً‏)‏ ‏(‏وصرف‏)‏‏.‏

تراخي

التّعريف

1- التّراخي‏:‏ مصدر تراخى، ومعناه في اللّغة‏:‏ التّقاعد عن الشّيء والتّقاعس عنه‏.‏ وتراخى الأمر تراخياً‏:‏ امتدّ زمانه، وفي الأمر تراخ أي‏:‏ فسحة‏.‏

ومعنى التّراخي في الاصطلاح‏:‏ كون الأداء متأخّراً عن أوّل وقت الإمكان إلى مظنّة الفوت‏.‏ وعلى ذلك لا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

الفور‏:‏

2 - يطلق الفور في اللّغة على‏:‏ الوقت الحاضر الّذي لا تأخير فيه، وهو مأخوذ من قولهم‏:‏ فار الماء يفور فوراً أي‏:‏ نبع وجرى، ثمّ استعمل في الحالة الّتي لا بطء فيها‏.‏

يقال‏:‏ جاء فلان في حاجته، ثمّ رجع من فوره أي‏:‏ من حركته الّتي وصل فيها ولم يسكن بعدها، وحقيقته‏:‏ أن يصل ما بعد المجيء بما قبله من غير لُبْث‏.‏

ومعنى الفور في الاصطلاح‏:‏ كون الأداء في أوّل أوقات الإمكان‏.‏

والفرق بينه وبين التّراخي‏:‏ أنّ الفور ضدّ التّراخي‏.‏

الحكم الإجماليّ ومواطن البحث

تبحث الأحكام الخاصّة بالتّراخي في عدد من المواضع عند الأصوليّين والفقهاء توجز فيما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ مواضعه عند الأصوليّين

ذكر الأصوليّون التّراخي في مواضع وهي‏:‏

أ - الأمر‏:‏

3 - اختلف الأصوليّون في الأمر المطلق الّذي لم يقيّد بوقت محدّد أو معيّن، سواء أكان موسّعاً أو مضيّقاً، والخالي عن قرينة تدلّ على أنّه للتّكرار أو للمرّة‏:‏ هل يفيد الفور، أو التّراخي، أو غيرهما ‏؟‏ فالقائلون بأنّ الأمر المطلق يقتضي التّكرار يقولون‏:‏ بأنّه يقتضي الفور، لأنّه يلزم من القول بالتّكرار استغراق الأوقات بالفعل المأمور به‏.‏

وأمّا القائلون بأنّه للمرّة، فقد اختلفوا في ذلك على أربعة أقوال‏:‏

الأوّل‏:‏ إنّه يكون لمجرّد الطّلب، وهو القدر المشترك بين الفور والتّراخي، فيجوز التّأخير على وجه لا يفوت المأمور به، وهذا هو الصّحيح عند الحنفيّة، وهو مذهب الشّافعيّ وأصحابه، واختاره الرّازيّ والآمديّ وابن الحاجب والبيضاويّ‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّه يوجب الفور، فيأثم بالتّأخير، وهو مذهب المالكيّة والحنابلة، والكرخيّ من الحنفيّة، وبعض الشّافعيّة‏.‏

الثّالث‏:‏ أنّه يفيد التّراخي جوازاً، فلا يثبت حكم وجوب الأداء على الفور بمطلق الأمر، وقد ذكر هذا القول البيضاويّ ونسبه لقوم، واختاره السّرخسيّ في أصوله‏.‏

الرّابع‏:‏ أنّه مشترك بين الفور والتّراخي، وهو رأي القائلين بالتّوقّف في دلالته، فإنّهم لم يحملوه على الفور ولا على التّراخي، وإنّما توقّفوا فيه‏.‏ وتوقّف فيه أيضاً الجوينيّ، كما جاء في إرشاد الفحول، فقد ذكر أنّ الأمر باعتبار اللّغة لا يفيد الفور ولا التّراخي، فيمتثل المأمور بكلّ من الفور والتّراخي لعدم رجحان أحدهما على الآخر، مع التّوقّف في إثمه بالتّراخي لا بالفور، لعدم احتمال وجوب التّراخي، وقيل بالتّوقّف في الامتثال، أي لا يدري هل يأثم إن بادر، أو إن أخّر ‏؟‏ لاحتمال وجوب التّراخي‏.‏ ومن أمثلة الخلاف بين العلماء في هذه المسألة اختلافهم في الحجّ، أهو على الفور، أم على التّراخي ‏؟‏‏.‏

ومن أمثلته أيضاً‏:‏ الأمر بالكفّارات، والأمر بقضاء الصّوم وبقضاء الصّلاة‏.‏ ومحلّ تفصيل ما قالوه في ذلك، مع ما استدلّوا به، هو الملحق الأصوليّ، ومصطلح‏:‏ ‏(‏أمر‏)‏‏.‏

الفور في النّهي

4 - النّهي يقتضي الدّوام والعموم عند الأكثر من أهل الأصول وأهل العربيّة، فهو للفور‏.‏ وقيل‏:‏ هو كالأمر في عدم اقتضائه الدّوام‏.‏

ب - الرّخصة‏:‏

5 - ذكر صاحب مسلّم الثّبوت أربعة أقسام لما يطلق عليه اسم الرّخصة، من حيث كونها رخصةً‏.‏ وذكر أنّ ثاني تلك الأقسام، ما تراخى حكم سببه مع بقائه على السّببيّة إلى زوال العذر الموجب للرّخصة، كفطر المسافر والمريض، فإنّ سببيّة الشّهر باقية في حقّهما، حتّى لو صاما بنيّة الفرض أجزأ، لما روى البخاريّ ومسلم، «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لحمزة بن عمرو الأسلميّ إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر»‏.‏

وتأخّر الخطاب عنهما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مريضَاً أو على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَر‏}‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏رخصة‏)‏‏.‏

ج - معنى ‏(‏ثمّ‏)‏‏:‏

6 - أورد السّرخسيّ في أصوله‏:‏ أنّ المعنى الّذي اختصّت به ‏(‏ثمّ‏)‏ في أصل الوضع هو‏:‏ العطف على وجه التّعقيب مع التّراخي‏.‏ وحكم هذا التّراخي فيه اختلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه، وتفصيله في الملحق الأصوليّ ومصطلح ‏(‏طلاق‏)‏‏.‏

وأثر هذا الخلاف يظهر في قول الزّوج لغير المدخول بها، أو للمدخول بها، إن دخلت الدّار فأنت طالق ثمّ طالق ثمّ طالق، أو أنت طالق ثمّ طالق ثمّ طالق إن دخلت الدّار، أي مع تقديم الشّرط أو تأخيره‏.‏ وتفصيله في الملحق الأصوليّ ومصطلح‏:‏ ‏(‏طلاق‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ مواضعه عند الفقهاء

ذكر الفقهاء التّراخي وما يترتّب عليه في عدد من العقود والتّصرّفات، توجز فيما يلي‏:‏

أ - التّراخي في ردّ المغصوب‏:‏

7 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة بوجوب ردّ المغصوب فوراً من غير تراخ، إن لم يكن للغاصب عذر في التّراخي، كخوفه على نفسه، أو ما بيده من مغصوب وغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «على اليدِ ما أخذتْ حتّى تُؤَدِّيه» ولأنّه يأثم باستدامته تحت يده لحيلولته بينه وبين صاحبه، فيجب عليه ردّه على الفور بنفسه أو وليّه أو وكيله، وإن تكلّف عليه أضعاف قيمته، إذ لا تقبل توبته ما دام في يده‏.‏

ولم نجد للحنفيّة والمالكيّة نصّاً في ذلك، ولكنّ قواعدهم العامّة في وجوب رفع الظّلم تقتضي موافقة الشّافعيّة والحنابلة فيما ذهبوا إليه‏.‏

ب - تراخي الإيجاب عن القبول في الهبة‏:‏

8 - لا يجوز عند الشّافعيّة تراخي القبول عن الإيجاب في الهبة، بل يشترط الاتّصال المعتاد كالبيع‏.‏ وأجاز الحنابلة التّراخي في المجلس إذا لم يتشاغلا بما يقطع الاتّصال‏.‏

ولم يصرّح الحنفيّة والمالكيّة بذلك‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏هبة‏)‏‏.‏

ج - التّراخي في طلب الشّفعة‏:‏

9 - ذهب الحنفيّة، والشّافعيّة على القول الأظهر، والحنابلة إلى أنّ طلب الشّفعة بعد العلم بها يكون على الفور، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجه عن عمر رضي الله عنه‏:‏ «الشّفعة كحلّ العقال»‏.‏

وأجاز المالكيّة طلبها إلى سنة وما قاربها وتسقط بعدها‏.‏والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏شفعة‏)‏‏.‏

د - التّراخي في قبول الوصيّة‏:‏

10 - اتّفق الفقهاء على اشتراط القبول في الوصيّة إن كانت لمعيّن، ومحلّ القبول بعد موت الموصي‏.‏ ولا يشترط فيه الفور عند الشّافعيّة والحنابلة، فله القبول على الفور أو على التّراخي بعد موت الموصي‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏وصيّة‏)‏‏.‏

هـ - حكم تراخي القبول عن الإيجاب في عقد النّكاح‏:‏

11 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى اشتراط ارتباط القبول بالإيجاب في عقد النّكاح، حتّى إنّ النّوويّ ذكر أنّ القبول في المجلس لا يكفي، بل يشترط الفور‏.‏

إلاّ أنّه يغتفر عند المالكيّة التّأخير اليسير‏.‏ وأمّا الحنفيّة والحنابلة، فيصحّ عندهم تراخي القبول عن الإيجاب في عقد النّكاح، وإن طال الفصل بينهما ما لم يتفرّقا عن المجلس أو يتشاغلا بما يقطعه عرفاً، لأنّ المجلس له حكم حالة العقد، بدليل صحّة القبض فيما يشترط لصحّته قبضه في المجلس‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

و - التّراخي في خيار العيوب والشّروط في النّكاح‏:‏

12 - نصّ الحنابلة على أنّ خيار العيوب والشّروط في النّكاح على التّراخي، لأنّه لدفع ضرر متحقّق، فيكون على التّراخي، كخيار أولياء الدّم بين القصاص أو الدّية أو العفو، فلا يسقط إلاّ أن يوجد ممّن له الخيار دلالة على الرّضا، من قول أو فعل، من الزّوج إن كان الخيار له، أو من الزّوجة إن كان الخيار لها، أو يأتي بصريح الرّضا كأن يقول‏:‏ رضيت بالعيب‏.‏ وأمّا عند الشّافعيّة، فقد نصّ النّوويّ في الرّوضة على‏:‏ أنّ خيار العيب في النّكاح يكون على الفور، كخيار العيب في البيع، وقال‏:‏ إنّ هذا هو المذهب، وهو الّذي قطع به الجمهور‏.‏ ورُوي قولان آخران‏:‏ أحدهما‏:‏ يمتدّ ثلاثة أيّام‏.‏ والثّاني‏:‏ يبقى إلى أن يوجد صريح الرّضا بالمقام معه أو ما يدلّ عليه‏.‏ حكاهما الشّيخ أبو عليّ، وهما ضعيفان‏.‏

ولا يثبت خيار العيب في النّكاح عند أبي حنيفة وأبي يوسف، فقد جاء في الفتاوى الهنديّة‏:‏ خيار الرّؤية والعيب والشّرط - سواء جعل الخيار للزّوج أو للزّوجة أو لهما - ثلاثة أيّام أو أقلّ أو أكثر، حتّى أنّه إذا شرط ذلك فالنّكاح جائز والشّرط باطل، إلاّ إذا كان العيب هو الجبّ والخصاء والعنّة، فإنّ المرأة بالخيار‏.‏ وأمّا المالكيّة فقد ذكروا أنّ لكلّ واحد من الزّوجين الخيار بشروطه إذا وجد بصاحبه عيباً، إلاّ أنّهم لم يصرّحوا بكون ذلك على الفور أو على التّراخي‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

ز - التّراخي في تطليق المرأة نفسها بعد تفويض الطّلاق إليها‏:‏

13 - إذا فوّض الزّوج الطّلاق إلى زوجته، فإنّ تطليقها نفسها لا يتقيّد بالمجلس عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏ غير أنّ المالكيّة لا فرق عندهم بين كون التّفويض تخييراً أو تمليكاً، فإن قيّده بوقت كسنة فليس للزّوجة الخروج عنه، ويفرّق بينهما بعد التّفويض إلى أن تختار البقاء أو الفراق عند المالكيّة‏.‏

وأمّا عند الشّافعيّة فإنّ التّفويض يقتضي الفور في الجديد على أنّه تمليك ما لم يعلّقه بشرط‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ طلاق‏)‏‏.‏ وتفصيل ما لم يذكر هنا من مسائل التّراخي موطنه الملحق الأصوليّ‏.‏

تراضي

التّعريف

1 - التّراضي في اللّغة‏:‏ تفاعل من الرّضا ضدّ السّخط، والرّضا‏:‏ هو الرّغبة في الفعل أو القول والارتياح إليه، والتّفاعل يدلّ على الاشتراك‏.‏

ويستعمله الفقهاء في نفس المعنى، حينما يتّفق العاقدان على إنشاء العقد دون إكراه أو نحوه، فيقولون مثلاً‏:‏ البيع مبادلة المال بالمال بالتّراضي‏.‏

وفي الآية الكريمة‏:‏ ‏{‏لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بينكُمْ بالبَاطِلِ إلاّ أنْ تكونَ تِجَارَةً عن تَرَاضٍ منكُم‏}‏‏.‏ قال القرطبيّ‏:‏ عن رضاً منكم، وجاءت من المفاعلة، إذ التّجارة تكون بين طرفين‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإرادة‏:‏

2 - الإرادة في اللّغة‏:‏ الطّلب والمشيئة‏.‏ ويستعملها الفقهاء بمعنى‏:‏ القصد والاتّجاه إلى الشّيء، فهي أعمّ من الرّضا، فقد يريد المرء شيئاً ويرتاح إليه، فيجتمع الرّضا مع الإرادة، وقد لا يرتاح إليه ولا يحبّه، فتنفرد الإرادة عن الرّضا‏.‏

ب - الاختيار‏:‏

3 - الاختيار‏:‏ إرادة الشّيء بدلاً من غيره، وأصله من الخير، فالمختار هو المريد لخير الشّيئين في الحقيقة، أو خير الشّيئين عند نفسه، وقد يتوجّه القصد إلى أمر واحد دون النّظر إلى أمر آخر، وفي هذه الحالة تنفرد الإرادة عن الاختيار‏.‏

وقد يختار المرء أمراً لا يحبّه ولا يرتاح إليه، فيأتي الاختيار بدون الرّضا، كما يقول الفقهاء‏:‏ ‏"‏ يختار أهون الشّرّين ‏"‏، والمكره قد يختار الشّيء ولا يرضاه كما يقول الحنفيّة‏.‏

الحكم الإجماليّ

4 - الأصل أنّ التّراضي بين الطّرفين يكون قولاً بالإيجاب والقبول، وقد يكون قولاً من أحدهما وفعلاً من الطّرف الآخر، أو فعلاً من الجانبين كما في المعاطاة، وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏عقد‏)‏‏.‏ وإذا حصل التّراضي بالقول يتمّ بمجرّد الإيجاب والقبول عند الحنفيّة والمالكيّة، فيلزم العقد بذلك، ويرتفع الخيار‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ تمّام التّراضي ولزومه بافتراق الأبدان، فهما على خيارهما أبداً ما لم يتفرّقا بأبدانهما، كما ورد في الحديث‏:‏ «البَيِّعانِ بالخِيَارِ ما لم يتفرّقا»‏.‏

وقد فسّره الحنفيّة والمالكيّة بافتراق الأقوال بالإيجاب والقبول‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏افتراق، وخيار المجلس‏)‏‏.‏

5- هذا، وحيث إنّ التّراضي أساس انعقاد العقود، والإيجاب والقبول أو التّعاطي ونحوهما وسيلة للتّعبير عنه، ينبغي أن يكون الرّضا الّذي دلّ عليه التّعبير خالياً عن العيوب، وإلاّ اختلّ التّراضي، فيختلّ العقد‏.‏

ويختلّ التّراضي بأسباب نذكر منها ما يلي‏:‏

أ - الإكراه‏:‏

6 - وهو حمل الإنسان على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه‏.‏

وبما أنّ الإكراه يعدم الرّضا، فإنّ العقد يفسد به عند أكثر الفقهاء، ويصير قابلاً للفسخ عند المالكيّة، وقال بعض الحنفيّة‏:‏ يتوقّف حكمه على إجازة المكره بعد زوال الإكراه، وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏إكراه‏)‏‏.‏

ب - الهزل‏:‏

7 - وهو ضدّ الجدّ، بأن يراد بالشّيء ما لم يوضع له، ولا ما صحّ له اللّفظ استعارةً‏.‏ والهازل يتكلّم بصيغة العقد باختياره، لكن لا يختار ثبوت الحكم ولا يرضاه، ولهذا لا تنعقد به العقود الماليّة عند أكثر الفقهاء، وله آثاره في بعض التّصرّفات كالزّواج والطّلاق والرّجعة ‏(‏ر‏:‏ هزل‏)‏‏.‏

ج - المواضعة أو التّلجئة‏:‏

8 - وهي أن يتظاهر العاقدان بإنشاء عقد صوريّ للخوف من ظالم ونحوه، ولا يريدانه في الواقع، والعقد بهذه الصّورة‏:‏ فاسد، أو باطل، أو جائز، على خلاف وتفصيل موضعه مصطلح‏:‏ ‏(‏مواضعة وتلجئة‏)‏‏.‏

د - التّغرير‏:‏

9 - هو إيقاع الشّخص في الغرر، أي‏:‏ الخطر، كأن يوصف المبيع للمشتري بغير صفته الحقيقيّة لترغيبه في العقد‏.‏ فإذا غرّ أحد العاقدين الآخر، وتحقّق أنّ في البيع غبناً فاحشاً فللمغبون أن يفسخ العقد على تفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏غبن وتغرير‏)‏‏.‏

وهناك أسباب أخرى يختلّ بها التّراضي كالغلط والتّدليس والجهل والنّسيان ونحوها، وتفصيل القول في كلّ منها في مصطلحاتها‏.‏

مواطن البحث

10 - يتكلّم الفقهاء عن التّراضي في‏:‏ إنشاء العقود، ولا سيّما في تعريف البيع، وفي الإقالة، وفي موافقة الزّوجين على مقدار الصّداق بعد العقد، أو الزّيادة أو النّقصان فيه في بحث المهر، وفي الخلع، والصّلح، واتّفاق الأبوين على فطام المولود لأقلّ من سنتين في بحث الرّضاع‏.‏

وتفصيل ما يتّصل بالتّراضي من طرفين أو طرف واحد موطنه مصطلح‏:‏ ‏(‏رضاً‏)‏‏.‏

تراويح

انظر‏:‏ صلاة التّراويح‏.‏

تربّص

انظر‏:‏ عدّة‏.‏

تربّع

التّعريف

1 - التّربّع في اللّغة‏:‏ ضرب من الجلوس، وهو خلاف الجثوّ والإقعاء‏.‏

وكيفيّته‏:‏ أن يقعد الشّخص على وركيه، ويمدّ ركبته اليمنى إلى جانب يمينه، وقدمه اليمنى إلى جانب يساره‏.‏ واليسرى بعكس ذلك‏.‏ واستعمله الفقهاء بهذا المعنى‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

2 - التّربّع‏:‏ غير الاحتباء‏:‏ والافتراش، والإِفضاء، والإِقعاء، والتّورّك‏.‏

فالاحتباء‏:‏ أن يجلس على أليتيه، رافعاً ركبتيه محتوياً عليهما بيديه أو غيرهما‏.‏

والافتراش‏:‏ أن يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها، وينصب قدمه اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمداً عليها لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة‏.‏

والإفضاء في الجلوس في الصّلاة هو‏:‏ أن يلصق أليته بالأرض، وينصب رجله اليمنى وظاهر إبهامها ممّا يلي الأرض، ويثني رجله اليسرى‏.‏

والإقعاء‏:‏ أن يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض‏.‏

أو أن يجعل أليتيه على عقبيه، ويضع يديه على الأرض‏.‏

وفي نصّ الشّافعيّة‏:‏ الإقعاء المكروه‏:‏ أن يجلس الشّخص على وركيه ناصباً ركبتيه‏.‏ والتّورّك‏:‏ أن ينصب اليمنى ويثني رجله اليسرى، ويقعد على الأرض‏.‏

ولتمام الفائدة تنظر هذه الألفاظ في مصطلحاتها‏.‏

حكم التّربّع

أوّلاً‏:‏ التّربّع في الصّلاة

أ - التّربّع في الفريضة لعذر‏:‏

3 - أجمع أهل العلم على أنّ من لا يطيق القيام، له أن يصلّي جالساً، وقد «قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين رضي الله عنه‏:‏ صلّ قائماً، فإِن لم تستطع فقاعداً، فإِن لم تستطع فعلى جَنْب» وفي رواية‏:‏ «فإن لم تستطع فمستلقياً»‏.‏

ولأنّ الطّاعة بحسب القدرة لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسَاً إلاّ وُسْعَها‏}‏‏.‏

4 - واختلفوا في هيئة الجلوس إذا عجز المصلّي عن القيام كيف يقعد ‏؟‏

فذهب المالكيّة في المشهور عندهم، والشّافعيّة في قول، والحنابلة إلى‏:‏ أنّه إذا قعد المعذور يندب له أن يجلس متربّعاً، وهو رواية عن أبي يوسف‏.‏

ويرى أبو حنيفة - في رواية محمّد عنه وهي ما صحّحها العينيّ - أنّ المعذور إذا افتتح الصّلاة يجلس كيفما شاء، لأنّ عذر المرض يسقط الأركان عنه، فلأن يسقط عنه الهيئات أولى‏.‏

وروى الحسن عن أبي حنيفة‏:‏ أنّه يتربّع، وإذا ركع يفترش رجله اليسرى ويجلس عليها‏.‏ ويرى الشّافعيّة في الأظهر من القولين - وهو قول زفر من الحنفيّة - أنّه يقعد مفترشاً‏.‏ وذهب المالكيّة في قول - وهو ما اختاره المتأخّرون - أنّ المعذور يجلس كما يجلس للتّشهّد‏.‏ وهناك تفاصيل فيمن له أن يصلّي جالساً، وفي هيئة الّذي لا يقدر على الجلوس ولا على القيام تنظر في مصطلحات‏:‏ ‏(‏صلاة المريض، عذر، وقيام‏)‏‏.‏

ب - التّربّع في الفريضة بغير عذر‏:‏

5 - التّربّع مخالف للهيئة المشروعة في الفريضة في التّشهّدين جميعاً‏.‏

وقد صرّح الحنفيّة بكراهة التّربّع من غير عذر، لما روي أنّ عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما رأى ابنه يتربّع في صلاته، فنهاه عن ذلك، فقال‏:‏ رأيتك تفعله يا أبت، فقال‏:‏ إنّ رجليّ لا تحملاني‏.‏ ولأنّ الجلوس على الرّكبتين أقرب إلى الخشوع، فكان أولى‏.‏

وهذا ما يفهم من عبارات المالكيّة أيضاً، لأنّهم يعدّون الإفضاء في الجلوس من مندوبات الصّلاة، ويعتبرون ترك سنّة خفيفة عمداً من سنن الصّلاة مكروهاً‏.‏

ويسنّ عند الشّافعيّة في قعود آخر الصّلاة التّورّك، وفي أثنائها الافتراش‏.‏

ويقول الحنابلة بسنّيّة الافتراش في التّشهّد الأوّل، والتّورّك في التّشهّد الثّاني‏.‏

ونقل ابن عبد البرّ إجماع العلماء على عدم جواز التّربّع للصّحيح في الفريضة‏.‏

وقال ابن حجر العسقلانيّ‏:‏ لعلّ المراد بكلام ابن عبد البرّ بنفي الجواز إثبات الكراهة‏.‏

ج - التّربّع في صلاة التّطوّع‏:‏

6 - لا خلاف في جواز التّطوّع قاعداً مع القدرة على القيام، ولا في أنّ القيام أفضل، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى قائماً فهو أفضل، ومن صلّى قاعداً فله نصف أجر القائم» وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ «إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يمت حتّى كان كثير من صلاته وهو جالس»‏.‏

7- أمّا كيفيّة القعود في التّطوّع فقد اختلف فيها‏:‏

فذهب المالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في قول - وهو رواية عن أبي يوسف ومحمّد - إلى أنّه يستحبّ للمتطوّع جالساً أن يكبّر للإحرام متربّعاً ويقرأ، ثمّ يغيّر هيئته للرّكوع أو السّجود على اختلاف بينهم، وروي ذلك عن ابن عمر وأنس رضي الله عنهم‏.‏ كما روي عن ابن سيرين ومجاهد وسعيد بن جبير والثّوريّ وإسحاق رحمهم الله‏.‏

ويرى أبو حنيفة ومحمّد - فيما نقله الكرخيّ عنه - تخيير المتطوّع في حالة القراءة بين القعود والتّربّع والاحتباء‏.‏

وعن أبي يوسف أنّه يحتبي، هذا ما اختاره الإمام خواهر زاده، لأنّ عامّة صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في آخر العمر كان محتبياً،ولأنّه يكون أكثر توجّهاً بأعضائه إلى القبلة‏.‏ وقال زفر‏:‏ يقعد في جميع الصّلاة كما في التّشهّد، هذا ما اختاره السّرخسيّ‏.‏

وقال الفقيه أبو اللّيث‏:‏ وعليه الفتوى لأنّه المعهود شرعاً في الصّلاة‏.‏

وقال الشّافعيّة في أصحّ الأقوال‏:‏ إنّ المتطوّع يقعد مفترشاً‏.‏

ثانياً‏:‏ التّربّع عند تلاوة القرآن

8 - لا بأس بقراءة القرآن في كلّ حال‏:‏ قائماً أو جالساً، متربّعاً أو غير متربّع، أو مضطجعاً أو راكباً أو ماشياً، لحديث «عائشة قالت‏:‏ كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتّكئ في حجري وأنا حائض ثمّ يقرأ القرآن» وعنها قالت‏:‏ ‏"‏ إنّي لأقرأ القرآن وأنا مضطجعة على سريري ‏"‏‏.‏

ترتيب

التّعريف

1 - التّرتيب في اللّغة‏:‏ جعل كلّ شيء في مرتبته‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ هو جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد، ويكون لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتّقدّم والتّأخّر‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

التّتابع والموالاة‏:‏

2 - التّتابع‏:‏ مصدر تتابع، يقال‏:‏ تتابعت الأشياء والأمطار والأمور، إذا جاء واحد منها خلف واحد على أثره بشرط عدم القطع‏.‏

وفسّر الفقهاء التّتابع في الصّيام‏:‏ بأن لا يفطر المرء في أيّام الصّيام‏.‏ وعلى ذلك، فالتّتابع والموالاة متقاربان في المعنى، إلاّ أنّ الفقهاء يستعملون التّتابع غالباً في الاعتكاف وكفّارة الصّيام ونحوهما، ويستعملون الموالاة غالباً في الطّهارة من الوضوء والتّيمّم والغسل‏.‏

ويختلف التّرتيب عن التّتابع والموالاة في أنّ التّرتيب يكون لبعض الأجزاء نسبة إلى البعض بالتّقدّم والتّأخّر، بخلاف التّتابع والموالاة، ومن جهة أخرى فإنّ التّتابع والموالاة يشترط فيهما عدم القطع والتّفريق، فيضرّهما التّراخي، بخلاف التّرتيب‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - التّرتيب إنّما يكون بين أشياء مختلفة كالأعضاء في الوضوء، والجمرات الثّلاث، فإن اتّحد المحلّ ولم يتعدّد فلا معنى للتّرتيب كما يقول الزّركشيّ، ومن ثمّ لم يجب التّرتيب في الغسل، لأنّه فرض يتعلّق بجميع البدن، تستوي فيه الأعضاء كلّها‏.‏ وكذلك الرّكوع الواحد والسّجود الواحد لا يظهر فيه أثر التّرتيب، فإذا اجتمع الرّكوع والسّجود ظهر أثره‏.‏

هذا، وقد بيّن الفقهاء حكم وأهمّيّة التّرتيب في مباحث العبادات من‏:‏ الطّهارة، وأركان الصّلاة، ونسك الحجّ، والكفّارات في النّذور والأيمان ونحوها‏.‏

واتّفقوا على فرضيّة التّرتيب في بعض العبادات، كالتّرتيب في أركان الصّلاة من القيام والرّكوع والسّجود، واختلفوا في بعضها، نذكر منها ما يلي‏:‏

أ - التّرتيب في الوضوء‏:‏

4 - التّرتيب في أعمال الوضوء فرض عند الشّافعيّة والحنابلة، لأنّها وردت في الآية مرتّبةً، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إذا قُمْتم إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وجُوهَكم وأيديَكم إلى المرافقِ وامسَحُوا برءوسِكم وأرجلَكم إلى الكَعْبَين‏}‏ لأنّ إدخال الممسوح ‏"‏ أي الرّأس ‏"‏ بين المغسولات ‏"‏ أي الأيدي والأرجل ‏"‏ قرينة على أنّه أريد به التّرتيب، فالعرب لا تقطع النّظير عن النّظير إلاّ لفائدة، والفائدة هاهنا التّرتيب‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم وجوب التّرتيب في الوضوء، بل هو سنّة عندهم، لأنّ اللّه تعالى أمر بغسل الأعضاء، وعطف بعضها على بعض بواو الجمع، وهي لا تقتضي التّرتيب‏.‏ وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّه قال‏:‏‏"‏ ما أبالي بأيّ أعضائي بدأت ‏"‏‏.‏ والتّرتيب إنّما يكون في عضوين مختلفين، فإن كانا في حكم العضو الواحد لم يجب، ولهذا لا يجب التّرتيب بين اليمنى واليسرى في الوضوء اتّفاقاً‏.‏

ولكن يسنّ، لأنّ «النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحبّ التّيامن»‏.‏

ب - التّرتيب في قضاء الفوائت‏:‏

5 - جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة قالوا بوجوب التّرتيب بين الصّلوات الفائتة، وبينها وبين الصّلاة الوقتيّة إذا اتّسع الوقت‏.‏ فمن فاتته صلاة أو صلوات وهو في وقت أخرى، فعليه أن يبدأ بقضاء الفوائت مرتّبةً، ثمّ يؤدّي الصّلاة الوقتيّة، إلاّ إذا كان الوقت ضيّقاً لا يتّسع لأكثر من الحاضرة فيقدّمها، ثمّ يقضي الفوائت على التّرتيب‏.‏

على أنّ المالكيّة يقولون بوجوب التّرتيب في قضاء يسير الفوائت مع صلاة حاضرة، وإن خرج وقتها‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ لا يجب ذلك، بل يسنّ ترتيب الفوائت، كأن يقضي الصّبح قبل الظّهر، والظّهر قبل العصر‏.‏ وكذلك يسنّ تقديم الفوائت على الحاضرة محاكاةً للأداء، فإن خاف فوت الحاضرة بدأ بها وجوباً لئلاّ تصير فائتةً‏.‏

هذا، ويسقط التّرتيب عند الحنفيّة والحنابلة بالنّسيان، وخوف فوت الوقتيّة، وزاد الحنفيّة مسقطاً آخر هو زيادة الفوائت على خمس‏.‏

وفي المسألة خلاف وتفصيل يرجع إليه في ‏(‏قضاء الفوائت‏)‏‏.‏

ج - التّرتيب في صفوف الصّلاة‏:‏

6 - صرّح الفقهاء بأنّه‏:‏ لو اجتمع الرّجال والنّساء والصّبيان، فأرادوا أن يصطفّوا لصلاة الجماعة، يقوم الرّجال صفّاً ممّا يلي الإمام، ثمّ الصّبيان بعدهم ثمّ الإناث‏.‏

وإذا تقدّمت النّساء على الرّجال فسدت صلاة من وراءهنّ من صفوف الرّجال عند الحنفيّة، خلافاً لجمهور الفقهاء حيث صرّحوا بكراهة الصّلاة حينئذ دون الفساد، كما هو مفصّل في مصطلح‏:‏ ‏(‏اقتداء، صلاة الجماعة‏)‏‏.‏

مواطن البحث

يرد ذكر التّرتيب عند الفقهاء - إضافةً إلى ما سبق - في مواضع مختلفة منها‏:‏

أ - التّرتيب في الجنائز‏:‏

7 - إذا كانت أكثر من واحدة، فإذا اجتمعت جنائز الرّجال والنّساء والصّبيان حين الصّلاة عليها، فإنّه يصفّ الرّجال ممّا يلي الإمام، ثمّ صفّ الصّبيان، ثمّ صفّ النّساء، وكذلك التّرتيب في وضع الأموات في قبر واحد، ويفصّل الفقهاء هذه المسائل في أبواب الجنائز‏.‏

ب - التّرتيب في الحجّ‏:‏

8 - التّرتيب في أعمال الحجّ وما يترتّب على الإخلال به، فصّله الفقهاء في كتاب الحجّ‏.‏

‏(‏ر‏:‏ إحرام‏)‏‏.‏

ج - الدّيون‏:‏

9 - التّرتيب في قضاء الدّيون، وما يجب تقديمه منها على غيره، وما يتعلّق بحقوق العباد، فصّله الفقهاء في باب الرّهن والنّفقة والكفّارة وغيرها ‏(‏ر‏:‏ دين‏)‏‏.‏

د - أدلّة الإثبات‏:‏

10 - التّرتيب في أدلّة الإثبات من الإقرار والشّهادة والقرائن ونحوها يذكره الفقهاء في كتاب الدّعوى‏.‏

هـ - النّكاح‏:‏

11 - ترتيب الأولياء في النّكاح وحقّ القصاص وسائر الحقوق كالإرث والحضانة وغيرهما مذكور في أبوابها من كتب الفقه، وتفصيله في مصطلحاتها‏.‏

و - الكفّارات‏:‏

12 - التّرتيب بين أنواع الكفّارات في الأيمان والنّذور وغيرها أورده الفقهاء في باب الكفّارة‏.‏ وتفصيل هذه المسائل يرجع إليه في مصطلحاتها‏.‏

ترتيل

انظر‏:‏ تلاوة‏.‏